قد يتعجب البعض انني عاكف منذ مدة على التعليق ونقد المهرجان و منظميه ، وأِؤكد هنا أنه ليس بيني وبين منظمي المهرجان أي خصومة , بل العكس بيني وبينهم مودة وصداقة بل رفقة عمر وعشرة الدرب الواحد عندما كانت مدينة بوعرفة انذاك عروس المدائن .و لكن حتى يفهم الجميع حقيقة ما يحدث ،فانا لست ضد المهرجان ، لكنني بهذه المقالة احتج ضد كل من يستغل المهرجان و الفن للتطاول على هوية قبيلة بني كيل ومحاولة طمس تاريخها العريق، بل كنت سأكتب بكثير من البهجة والحبور عن هذا المهرجان " في طبعته الثالثة..ولكن هيهات هؤلاء المنظمين يتركونك تتفاءل و تفسح للأمل مكانا في قلبك ... فهاهو البرنامج الاحتفالي للطبعة الثالثة للمهرجانالمذكور يحيل مرة أخرى الى السلبية و التشاؤم و الشحوب ،مهرجان جاء في طبعته الثالثة ليكرّس التهميش و الاقصاء لقبيلة بني كيل و ويؤكد مرة اخرى بأنه احتفاء على حساب هذه القبيلة .. هذه القبيلة التي وجدت نفسها غريبة وسط هذه التظاهرة، فتاهت وسطها تبحث عن تاريخها .. عن هويتها.. عن رموزها.. ؟ .
ما زال مهرجان بوعرفة يثير المزيد من الاستيياء و الغضب و سط قبيلة بني كيل باعتباره شكل تهميشا لهوية وتاريخ هذه القبيلة بعدم ابراز تاريخها وعدم الاهتمام بها ،فهو اهانة مقصودة لهوية هذه القبيلة و ثقافتها وتاريخها. فلعل المتتبع لفقرات المهرجان في طبعتيه السابقتين أو في طبعته الثالثة المزمع اقامتها بتارخ 23 يوليوز 2015، يلاحظ انعدام دعوة أو استضافة أساتذة و أكاديميين مختصين في تاريخ هذه القبيلة سواء من داخل الوطن او خارجه, والكل يعلم أن أجرة فنان واحد من الفنانين المدعوين تكفي لتغطية أكثر من خمسة دكاترة مختصين طيلة أيام المهرجان.
فمنذ الطبعة الاولى للمهرجان طرحت عدة تساؤلات:
أولها: جاء في اعلان الجهة المنظمة عن المهرجان في الطبعة الاولى : (( احتفاء بالموروث الثقافي والفني والوطني و حفاظا على الثرات الشعبي بالجنوب الشرقي بالمغرب الذي تجسد قبائل بني كيلابرز خصوصياته, وسعيا للكشف عن مخزون هذا التراث , و التعريف به, وبما هو مجهول منه, وفتح المجال امامه للاحتكاك بالتراث الوطني العالمي, ومواكبة للدينامية التنموية التي يعرفها اقليم فجيج وبفضل الرعاية الملكية السامية, تحتضن مدينة بوعرفة عاصمة الاقليم من 23الى 26 غشت 2013 فعاليات الدورة الاولى للمهرجان الدولي لموسيقى الناي والفنون البدوية....)).
وعليه فاذا كان المهرجان حقا يهدف الى ابراز تراث قبيلة بني كيل والحفاظ على الموروث المادي واللاماديلها وتقديمه للعالم و.. فأين نلمس هذا، سواء في الطبعة الاولى للمهرجان او الثانية منه.
ثانيا: لماذا تم اختيار هذه القبيلة يالذات دون القبائل الاخرى لماذا لا يتركون هذه القبيلة بسلام و يبحثون لهم عن قبيلة اخرى والاقليم زاخر بالقبائل البدوية و الفنون البدويةّ, لماذا لا يتم في كل دورة من دورات المهرجان اختيار قبيلة اخرى ، ما طبيعة العلاقة التي تربط المجلس البلدي والجمعية بقبائل بنى كيل .
هل باتت قبيلة بني كيل وموروثها وترا مفضلا يعزفه من أراد للوصول إلى مبتغى وهدف ما ، سواء تعلق الأمر بالانتخابات أو الثقافة أو الفن أو أي شيء آخر، للتلاعب بالعقول و والقفز فوق أبعاد تنموية واجتماعية واقتصادية وغيرها التي هي من الاوليات الضرورية لهذه القبيلة.
هنا وباستعراض سريع انفذ الى فقرات المهرجان في طبعته الثانية لنرى الى أي حد تميزت به الفقرات المتعلقة بقبيلة بني كيل و موروثها الثقافي ، وهل فعلا كانت هناك فقرات خاصة بهذه القبيلة:
افتتاح المهرجان الطبعة الثانية واختتامه: اختتم الحفل كما بدأ بكلمات خلت كلها من ذكر قبيلة بني كيل أو الاشارة اليها ، كما أنه ليس هناك بالمهرجان ممثل رسمي لقبيلة بني كيل يمثلها و يتكلم باسمها، و حسب بعض المسؤولين بان رئيس البلدية فرض وصايته على جميع الجماعات القروية لبني كيل وقدم بلديته كممثل رسمي عن قبيلة بني كيل بدون تفويض منهم، و دون إشراكهم كشركاء اساسيين كما يقول احد رؤساء احدى جماعات بني كيل.، بل يفرض عليهم الحضور والمشاركة بدون أي برنامج معد منهم مسبقا.
ابراز هوية بني كيل: انعدام كلي لأي انشطة تجسد التراث الثقافي لهذه القبيلة العريقة من موسيقى واغاني تراثية والعاب و مسابقات شعرية و تقاليد شفوية، و تجاهل متعمد لإبراز الموروث الموسيقي والغنائي والتعريف بفنون الرقص الكيلي و تثمينه وتقديم فقرات منه مباشرة عبر القنوات الوطنية والدولية إلى جانب اقامة معرض للتعريف بمكونات اللباس الكيلي »نساء و رجال« و مراحل تطوره ( البرنوس: السلهام الابيض تحت السلهام الاسود((الخيدوس)) المكرون النسائي الى اخره..
انعدام الندوات او موائد مستديرة حول تاريخ هذه القبيلة : كما هو معلوم تفتقد الساحة الثقافية لكتاب متخصص لدراسة تاريخ قبيلة بني كيل، إلى جانب عدم وجود دراسات أكاديمية حولها . فالموائد المستدير والندوات ضرورية و تفرض وجودها بالحاح في هذا المضمار و تستوجب استضافة أساتذة ومختصين و أكاديميين من داخل وخارج الوطن. لتسليط الضوء على تاريخ هذه القبيلة في كتاب، وليجد الباحث والمتصفح ما يساعده لمعرفة تاريخ القبيلة كمرجع مهم ولسد الفجوة بين شبابنا ليبقوا على صلة بمنطقتهم. و الجهة المنظمة تدرك هذا جيدا ورغم ذلك تجاهلته متعمدة. فمهرجاننا هذا جاء خاليا من أي ندوات فكرية او علمية حول تاريخ قبيلة بني كيل. أي اساءة اكثر من هذه بل أي استهار واحتقار لكرامة هذه القبيلة.
المقاومة الوطنية" عبارة كثيرا ما أثارت في نفسي التساؤل عن مدى مساهمة قبائل بني كيل ، في تلك المقاومة الوطنية بالمنطقة أوعبر ربوع الوطن، خاصة هناك وقائع معروفة تشهد بذلك، و كنت انتظر بشغف أن تصل الى مسامعي و لو عبارة واحدة أو اثنين عنها بالمهرجان ولكن هيهات.. للأسف الشديد كان ينتهي المهرجان دون اي خبر يذكر لهذه المقاومة! فكان سؤالي: لماذا هذا التجاهل..؟ أين العلة في ذلك..؟
هل يعلم منظمو المهرجان انه كانت هناك مقاومة فعلية وكانت لها اتصال وتنسيق غير مباشر بالمغفور له محمد الخامس، والتاريخ يشهد بذلك.
هل يعلم منظمو المهرجان أن قبائل بني كيل في المنطقة من اكبر القبائل و اكثرها فرسانا و اعزها نفرا، و أنها سابقا قبل الاستعمار الفرنسي ساهمت في الحد من أطماع الاتراك في المنطقة الذين كانوا يدعون هذه القبيلة البدوية بقبيلة السيف نظرا لبطشها و بسالتها، وهذا نجده واردا في كتب الاتراك.
أين رموز هذه القبيلة الذين كرسوا حياتهم لها او الذين بصموا تاريخها وساهموا في صناعته، أمثال: عبد الرحمان الايوبي وشبيرة و دحمان بن حلومي وغيرهم ، أين أكثر من عشرين قائدا أمثال: القائد الحبيب والقائد عبد الرحمان والقائد امعمر والقائد بلفقشيش والقائد العلواني وغيرهم. أين الرجال الاخرون الذين لازالون على قيد الحياة. هل أضحت هذه القبيلة دون ذاكرة تاريخية ،أو انها خلقت دون ذاكرة أصلا..؟
الفروسية: فالفروسية هي مهرجان كامل بحد ذاته على غرار مهرجانات الفروسية التي تقام في ربوع الوطن. فالفروسية بالمهرجان شكلت اكثر من 80 في المئة من فقراته، و لولاها لما كان للمهرجان شأن يذكر. فمشاركة جمعية الفروسية وبعض الفرسان الاخرين أنقد المهرجان من الفشل.فماذا يعني أن يبقى فرسان قبيلة بني كيل بخيامهم يأكلون وينامون تحت حر الشمس45 درجة والعواصف الرملية أكثر من ستة أيام ،محرومون حتى من دورة صرف المياه ، أليست هذه مهانة لكرامة بني كيل, ما معنى أن يستقبل فنان وينزل في أفسح الفنادق المكيفة ليقوم للتنشيط لمدة ساعة واحدة، بينما أفراد قبيلة بني كيل المحتفل بهم مقيمين في العراء أيام وليالي، أليس هذا استخفافا واضحا بهذه القبيلة. كيف لا يقام أي نشاط اخر مواز لالعاب الفروسية( ندوة او غيرها ) للتعريف بتاريخ الفروسية ببني كيل وفرسانها,اضافة الى انعدام الجوائز و اختيار أحسن فارس و أحسن فرس وأحسن فرقة الى غير ذلك..؟
عرس بني كيل: بعدما اصطحب العديد من الناس عائلاتهم لمتابعة فقرات العرس الذي أقيم باجدى المراكز الثقافية لمتابعة مراسم العرس الكيلي، غير ان الكل فوجيء بمهزلة يندى لها الجبين ، فقد أسيء الى تقاليد العرس حيث أن العديد من المتفرجين عبروا عن استيائهم بالانسحاب ومغادرة المركز قبل انتهاء مراسم العرس ،حيث أن احد المنسحبين علق على الحدث قائلا ” لو كان الأمر يتعلق بلوحة فنية تجسد العرس لكان الأمر مقبولا … لكن وان يكون الأمر يتعلق بعرس حقيقي فكان على الجهة المنظمة تصوير العرس في بيئته تحت الشمس والريح مع الاعراف والتقاليد التي ترافقه ، ولكن وقع العكس فهذا يعتبر مسخرة و اساءة واهانة لقيم واخلاق القبيلة …لا يمكن باي حال من الاحوال السكوت عنها لان العرس ببني كيل له خصوصيته فلا يقبل أن يتحول موروث ثقافي الى مجرد فلكلور يقدم للتنشيط.
فهذا التعامل الذي تعامل به منظمو المهرجان مع قبيلة بني كيل و تصرفوا به فضح كل ادعاءاتهم وشعاراتهم .
فهل سيكفر منظمو المهرجان عن اخطائهم هذه ويقومون باصلاح ما افسدوه في الطبعة اللاحقة للمهرجان، فانتظروا اني معكم من المنتطرين.
خلاصة القول ان المهرجان بشكل عام ما زال يفتقر الى مدير و فعليات يبذلون جهودهم و يصرفون طاقاتهم من اجل اخراجه في أحسن الاثواب .
بركسيل في 29ماي2015
مصطفى بلحلومي
No comments:
Post a Comment