Tuesday, 26 May 2015

ترجمة جديدة لسيدي يحيى بن يونس


محمد بنعلي

 مدخل:
كل ما قيل عن شخصية سيدي يحيى بن يونس مبني على الروايات الشفوية التي التقطتها أقلام الفرنسيين في إطار حملة محمومة جمعوا خلالها كل المعطيات الممهدة لاحتلال المغرب، بل إن الدكتورة مارية دادي أكدت في كتابها الجيّد المفيد عن تاريخ وجدة أن الكتابات عنه وليدة القرن التاسعَ عشرَ، حتى إنها اعتمدت في ترجمتها لعدد من الأولياء والصلحاء والعلماء على "فوانو" بصفة خاصة، مشيرة إلى أن ما جاء عنه في الروايات المغربية إنْ هو إلا  رجع صدىً لما سبق. واستغربت ألا يرد اسم هذا الرجل في الكتابات العربية السابقة كالرحلات وما أشبه.. ولا شك أنها توصلت إلى ذلك بعد بحث شاق ومضنٍ، ومحقَّق ومدقَّق..
لكن هذا لا يعني أن الأمر كما تقول نظراً لوجود آلاف الكتب والوثائق المخطوطة التي لم يطلع عليها أحد بعد، وربما وردَ في ألفافها ذكر أو إشارة أو حتى ترجمة لهذا الرجل الصالح.. هذه واحدة، والثانية أن ما نسبه بعضهم إلى الإمام الغزالي قد يكون ملتقطا من مصادر  تتقدم على القرن التاسعَ عشرَ.. وإليكم الدليل في هذه الترجمة الجديدة..
** ترجمة جديدة لسيدي يجيى بن يونس:
هذه الترجمة وجدتها في كتاب مخطوط لا يعرفه كثير من الناس، عنوانه: "كعبة الطائفين وبهجة العاكفين في الكلام على قصيدة حزب العارفين" وهو للشيخ محمد بن سليمان الصائم الجزولي التلمساني، من أهل القرن الحادي عشر الهجري، كان بقيد الحياة عام 1060هـ/ 1650م.. أما قصيدة حزب العارفين فهي من الزجل لشيخه موسى بن علي التلمساني. وقد جاء فيها مستعرضا بعض رجالات التصوف والعلم والصلاح:
وابن يونس مولى وجدة سيدي يحيى.
قال المصنّفُ في شرح البيت:
  هذا الشيخ مدفون ببلدة وجدة على رأس مائها الذي تسقى منه أرضها وأجنتها. ومن بركة هذا الولي أنه لا يقدر أحد من ظلمة أعرابها أولاد طلحة أن يقطع ماء هذه القرية، وإن كانوا معهم في العداوة، فهو رحمة لأهلها بل ولسائر أقطار الغرب. قال الإمام أبو حامد الغزالي: " يحيى بن يونس عبد الله ثمانين سنة بصيام نهارها وقيام ليلها، لم يأكل فيها شيئا، وآمن بالنبي عليه الصلاة والسلام قبل مبعثه بخمسمائة عام، وكان من أصحاب عيسى عليه السلام، وبه يسقي الله أهل المغرب المطر. وهو مدفون بمدينة وجدة، ولها ثلاثمائة وبضع وستون بابا من كبرها. وسميت بهذا الاسم لأنها مسكن الوجد ولوجود الصالحين فيها." انتهى.
قلتُ: والأمر كما قال، لأني زرت هذا الشيخ فوجدتُ عنده رجلا سائحاً قدم من بلاد سوس، ثم بعد ذلك أضافنا، فشيعته للمشرق مسيرة يوم، وعرضتُ عليه شيئا من الزاد، فردّه عليّ، وقال لي: سبحان الله مثلك من يحرضني على الزاد، والله تعالى يقول:" ومن يتوكل على الله فهو حسبه". والله إني لحججتُ لبيت الله وما معي إلا دينارٌ ورددته إلى بلدي، فلم يحْوِجْني الله إليه. فاختبرتُه فوجدته يصوم الدهر، ويواظب على قراءة دليل الخيرات للجزولي، ويحكم علم الحروف وأسرار الحروف للمرجاني...."
        ولا بأس أن ننهي هذه الترجمة بأخرى للولي الصالح سيدي محمد الزياني، والمناسبة ترجمة الدكتورة الفاضلة لزيانييْن هما: سيدي أحمد بن زيان (2/373) وسيدي محمد بن زيان (2/377) وقد أسستهما على ما كتب فوانو.. وأظن أن ثانيهما هو المقصود بهذه الترجمة التي هي في الحقيقة شهادة حقيقية جاءت عن مخالطة لا عن سماع لعبت بمضامينه السنون والقرون. قال الشارح:
        " ودخلت إلى وجدة المذكورة، فوجدت بها رجلا من أكابر الأولياء العاملين اسمه محمد بن عبد الرحمن الزياني، بصير، كبير السن، فزرته وبتُّ عنده، فوجدته لا يفتر عن الذكر والتلاوة لا ليلاً ولا نهاراً، قليل الأكل، قليل النوم. شاهدته يقوم الليل كله لا ينام منه شيئا في كل فصل يحييه بختمة يقرأ في كل ركعة بثمن الحزب، ويسلم على ربعه. كما كان يتخلق بأخلاق الملائكة، رضي الله عنه ونفعنا بصحبته ومحبته.
وهذه المدينة هدم جلها، ولم يبق منها إلا نزر قليل. وأبوابها بقيت أسماء بعضها إلى الآن في مهاد أنقاد (أنكَادْ) حول المدينة الباقية، والله يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين .

وبعد ذلك تحدث عن الشيخ عبد الرحمن من أولاد يعقوب بن طلحة من أعراب أنقاد، وهو مدفون في زاويته حذو ندرومة بساحل تلمسان...

No comments:

Post a Comment