Thursday, 14 May 2015

أرضية ندوة : مدونة الأسرة بين الإطار القانوني والممارسة الواقعية









لقد
انخرط المغرب، ومند أكثر من عقدين من الزمن في مسلسل من الإصلاحات الهيكلية، هدف
من خلالها إلى إرساء أعمدة مجتمع ديمقراطي
حدا
ثيتصان فيه كرامة الإنسان وتضمن فيه حقوق الأفراد والجماعات وتعتبر مدونة الأسرة
نموذجا جوهريا لهاته الإصلاحات. فهي تجربة جدية وفريدة من نوعها على مستوى
العالمين العربي والإسلامي. كما أنها استحقاق تاريخي توافقت في شأنه كل الحساسيات،
وناضلت من أجل بلورته كل المنضمات والجمعيات.


إلا
أنه وبالرغم من كون ظروف ما قبل الصياغة قد عرفت موجة عارمة من التدافع الاجتماعي
والسياسي والحقوقي طبع أحيانا بنفس تفاعلي وحواري وتطور أحيانا أخرى إلى حد
الانفعال والتصادم فبالرغم من ذلك فقد حظيت مدونة الأسرة ، ومنذ المصادقة عليها في
صيغتها النهائية والبدء في تنفيذها سنة 2004 بإجماع وإعجاب من طرف مختلف الفعاليات
السياسية والمدنية والجمعوية في داخل المغرب كما في خارجه. ولعل السبب في ذلك كو
نها ثمرة أخذت وقتها الكافي
في النضوج بعد نقاش فكري وحقوقي موسع اعتمد فيه نهج التشارك والتوافق بين مختلف
المرجعيات والإيديولوجيات. كما أنها كانت حاجة مجتمعية ملحة ينتظرها الجميع ويعول
عليها في تقويم ما اعوج في العلاقات بين أفراد الأسرة، وفي تصويب وتغيير ما تجوز
من أحكام في مدونة الأحوال الشخصية. وفي الإجابة عن مختلف الأسئلة الآنية
والمستقبلية التي تتيح لنساء اليوم الاندماج الفعلي في التنمية بكل أبعادها.


وفعلا
وبكل وضوح، وبعيدا عن المزايدات فقد جاءت مدونة الأسرة لكل المغاربة بمكتسبات
كثيرة ومتنوعة يمكن تجميع أهمها تحت ثلاثة عناوين كبيرة:


العنوان الأول: المساواة بين الزوجين.


وتندرج
تحته المستجدات الآتية:


-
تحديد
سن الزواج لكل من الزوجين في 18 سنة.


-
وضع
الأسرة تحت رعاية ومسؤولية الزوجين.


-
رفع
الوصاية والحجر على جميع النساء الراشدات.


-
وضع
الطلاق تحت مراقبة القضاء والتسوية بين الزوج والزوجة في توقيعه.


-
استفادة
الزوجة المطلقة من حقها فيما تراكم من
أموال مكتسبة مند قيام الزوجية.


العنوان الثاني: توازن الأسرة.


وتندرج
تحته المستجدات الآتية:


-
جعل
النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق المدونة.


-
إحداث
أقسام لقضاء الأسرة بالمحاكم.


-
الاعتراف
بالزواج المدني المبرم من طرف أفراد الجالية المغربية لدى السلطات المحلية في
بلدان الإقامة.





العنوان الثالث: حماية الطفل وضمان حقوقه.


وتندرج
تحته ما يلي:


-
الأخذ
بعين الاعتبار الوضع الاجتماعي والصحي والدراسي للطفل عند افتراق الأبوين سواء من
حيث السكن أو مستوى العيش الذي كان عليه قبل الطلاق.


-
الاعتراف
بنسب الطفل المولود في مرحلة الخطبة.


إلا
أنه وبالرغم مما يبدو من مكتسبات جد ايجابية لهذه المدونة ورغم الجهود المبذولة من
طرف الجهات المختصة لتفعيلها التفعيل السليم وتنزيلها على أرض الواقع كما يجب.
فهناك قضايا من صميمها بقيت تراوح مكانها ولم تترك في الاتجاه الايجابي المتوخى
والمرغوب فيه.


ومن
باب التمثيل لا الحصر نذكر في هذا الصدد الفشل الذريع الذي يلاحق مدونة الأسرة
والجسم القضائي المغربي على مستوى الأجرأة الحقيقية والتنزيل الفعلي لمسطرة الصلح،
حيث يجمع كل المختصين والمتتبعين أن هاته المسطرة لم تنجح البتة في الحد من معضلة
الطلاق والتطليق ولا في التقليص من نسبها
المخيفة التي تواصل ارتفاعها يوما بعد اليوم حتى بحسب الإحصائيات التي تكشف عنها
الوزارة الوصية ( وزارة العدل والحريات ).


وقد
عزا الكثيرون الأمر إلى أسباب عديدة ومتنوعة ينضوي أغلبها في المربع الفاصل بين
المضمون النظري لمدونة الأسرة وإكراهات وتحديات واقع التنزيل . مما يحتم علينا
الانتهاء إلى جملة التساؤلات الآتية:


1) هل توجد مقاربة شمولية مندمجة تؤطر التنزيل
الفعلي والصحيح لمقتضيات هاته المدونة. وهل المقاربتان الحقوقية والقانونية لوحدهما قادرة على تحقيق ذلك؟


2) ثم إلى أي حد يمتلك فاعلو الجسم القانوني
والقضائي كفايات الصنعة الاجتهادية المقاصدية بما يمكنهم من استيعاب السياق
واستحضار معادلات الواقع لتحقيق تنزيل يجيب عن الأسئلة الملحة في إطار الشرع
الإسلامي ومقاصده والمبادئ العالمية لحقوق الإنسان كمرتكزات دستورية ، وفي انسجام مع مقولة صاحب الجلالة " أنه بصفته أمير المؤمنين. لا يمكن أن
يحرم ما أحل الله أو يحل ما حرمه"؟


3) ثم هل استطاعت فعلا الجهات المسؤولة توفير
العدة اللازمة والموارد البشرية الكافية والمؤهلة لتحقيق النسبة المطلوبة
والمعقولة من الطموح؟


4) وأيضا إلى متى تبقى السلطة القضائية عاجزة عن
استلهام فلسفة البدائل في حل النزاعات. وخجولة في الانفتاح الفعلي والحقيقي على
الجمعيات والمؤسسات المدنية ذات الاهتمام بالموضوع؟


5) والى أي حد يساهم البعد الثقافي في انجاح أو
عرقلة التنزيل القانوني السليم لبنود المدونة ؟






No comments:

Post a Comment